عشرات المرضى ينتظرون دورهم في عيادة أهل المقري، وسط العاصمة نواكشوط، وتحمل هذه العيادة اسم إحدى الأسر الموريتانية، المعروفة بامتهان الطب البديل، أو ما يعرف في موريتانيا بالطب التقليدي، وتوارثته عبر عدة أجيال.
وسط هذه العيادة، يعاين الطبيب أحمد ولد المقري مرضاه، كل حسب دوره في الطابور، وجلسة تتخللها جملة من الأسئلة المختلفة، في محاولة لتشخيص حالة المريض، قبل تقديم الوصفة اللازمة لعلاجه، التي تعتمد في الغالب على الأعشاب الطبيعية، كما يؤكد غالبية المشتغلين في مجال الطب البديل في موريتانيا.
بعض رواد عيادات الطب البديل، يعانون من أمراض تصنف في قبل البعض ”بالغريبة“، كحالة الاضطراب التي تسببها إفرازات المعدة أو ما يسمى محليًا بـ“المجبنة“، التي تسبب أحيانًا هلوسة، وتصورات، واضرابات للأشخاص المصابين، و“الشهوة“ وهي التأثيرات الظاهرة على المولود، وغير ذلك من الأمراض التي لا يعترف الطب الحديث ببعضها، لكنها موجودة ومعترف بها كمرض بين الموريتانيين، هذا بالإضافة لأمراض أخرى عديدة.
يؤكد معظم المرضى الذين يرتادون عيادات الطب البديل، نجاعة العلاجات المقدمة لهم في هذه العيادات، وفي حال لم تجد نفعًا فإنها لا تضر؛ نظرًا لاعتمادها على أعشاب طبيعية، حسب تعبير بعضهم.
يقول الطبيب التقليدي، أحمد ولد المقري لإرم نيوز، إن ”إقبال الموريتانيين على العلاج بالطب البديل، يعود لجملة من الأسباب، بعضها تاريخي، والبعض الآخر يعود للنجاحات التي يحققها هذا الطب في علاج جملة من الأمراض، لا تزال مستعصية، أو غير مفهومة بالنسبة للطب الحديث“.
ويضيف ولد المقري أن ”الموريتانيين ارتبطوا بهذا الطب عبر التاريخ، في وقت لم يكن هناك بديل عنه، ما جعله أحد الخيارات الرئيسية أمام المرضى الراغبين في العلاج من بعض الأمراض المعروفة في هذه البلاد“.
طبيب بالوراثة
توارثت عائلات شهيرة في موريتانيا مهنة الطب البديل، حتى أصبحت مضرب المثل في هذا المجال، وقام بعضهم بتأليف مجموعة من الكتب أصبحت مرجعًا في مجال الطب البديل أو الطب التقليدي كما يطلق عليه محليًا.
ورغم نجاح الأطباء التقليديين في مجال مداواة المرضى لعصور من الزمن، فإن ذلك لم يمنع بعض الأطباء والناشطين، من دعوة الدولة ـأكثر من مرةـ لبسط سيطرتها على الطب التقليدي، وسن مجموعة من القوانين والضوابط، لتنيظم ممارسته في موريتانيا، ومعرفة طبيعة الأعشاب التي يتم استعمالها في وصفات الأدوية.
وحسب الطبيب أحمد ولد المقري، فإن ”الطب البديل، كان له السبق في معالجة جملة من الأمراض الشائعة في المجتمع الموريتاني، في وقت كان الطب الحديث عاجزًا أصلًا عن فهمها، أو لايعترف بها أصلًا“.
ويضيف: ”هناك أمراض كبوصفير(أمراض الكبد)، والمجبنة والحموضة (أمراض المعدة)، كان الطب التقليدي سبّاقًا فيها، وعلاجاته فعالة مقارنة بالطب الحديث، وهناك الشهوة (نوع من حالات الوحم النسائي ما بعد الولادة)، يرفض الطب الحديث الاعتراف بها، في الوقت الذي يقدم لها الطب البديل العلاجات الفعالة، وذلك نظرًا لتجربة هذا الطب التي رافقت تطور المجتمع الموريتاني منذ نشأته، وبالتالي اكتسب خبرة كبيرة في هذا المجال، ويتعامل مع نفسيات مرضاه اعتمادًا على تلك التجربة، ما يكسبه السبق في مجال معالجة بعض الأمراض المنتشرة في المجتمع منذ عصور.
أعشاب محلية ومستوردة
يفضل الأطباء التقليديون في العادة استخدام أعشاب من البيئة المحلية، في وصفاتهم الطبية، لكنهم في الآونة الأخيرة، بدؤوا الاستعانة بالأعشاب المغربية في هذه الوصفات، كما كان لهذه الأعشاب انتشار كبير بين الموريتانيين في السنوات الأخيرة.
خاصة أن هناك سوقًا في قلب العاصمة نواكشوط، أصبح يطلق عليه محليًا ”سوق المغاربة“، يبيع مختلف الأعشاب والبهارات المستوردة من المغرب، الجارة الشمالية لموريتانيا.
ويرى بعض الأطباء أن استعمال الأعشاب المنتقاة من البيئة المحلية، أفضل من غيرها، لكونها البيئة التي تربى فيها الموريتانيون، وبالتالي فإن تأثيرها على المرضى أكثر تأثيرًا من تلك المستوردة من خارج البلاد، ويأتي استعمالهم للأعشاب المغربية نظرًا لتشابه مناطق في الجنوب المغربي مع البيئة الموريتانية.