اختتمت وزارة البترول والمعادن والطاقة الموريتانية، أول أمس الجمعة، مؤتمرا دوليا في نواكشوط، نظمته بالتعاون مع البنك الدولي والتحالف الأفريقي للهيدروجين الأخضر تحت عنوان "تسريع تمويل الهيدروجين الأخضر في أفريقيا".
وناقش المؤتمر -الذي شارك فيه خبراء من دول عربية وأفريقية ووفود دولية وشركات نشطة في مجال الهيدروجين بموريتانيا- إشكالات تمويل مشاريع الهيدروجين الأخضر في أفريقيا وطرق تسريعها، والفوائد الاقتصادية والاجتماعية لاقتصاد الهيدروجين الأخضر، وسبل تحقيقها وتعزيز التنمية الاقتصادية وخلق وظائف نظيفة ومستدامة.
وفي تصريح خاص للجزيرة نت على هامش الجلسات الختامية للمؤتمر، قال السيد خرمبالي لحبيب، مستشار مكلف بالمحروقات الخام بوزارة الطاقة بموريتانيا، إن هذا المؤتمر يأتي في إطار توجه الحكومة الموريتانية الهادف للدفع بتطوير قطاع الهيدروجين الأخضر ومشتقاته والصناعات الخضراء بشكل عام.
وركز المؤتمر في أعماله على طرق تسريع وتسهيل تمويل مشاريع الهيدروجين الأخضر في الدول الأفريقية وفي موريتانيا خاصة، كما سلط الضوء على الإطار القانوني والضريبي المناسب والمنظم لهذا القطاع.
مستقبل واعد
وعن مستقبل الطاقة الهيدروجينية في موريتانيا، يرى ولد لحبيب أن كل المؤشرات تدل على أن لهذه الطاقة مستقبلا كبيرا في موريتانيا على صعيد التصنيع المحلي وعلى صعيد إمكانات التصدير، مؤكدا أن موريتانيا تمتلك مقدرات فريدة في هذا المجال (أكثر من 4 آلاف غيغاوات، منها 500 قابلة للتطوير).
فحقول الرياح الموجودة في البلاد، ومعدل سرعتها المرتفع، لا تكاد توجد في أي بلد آخر، وكذلك ارتفاع معدل الإشعاع الشمسي طوال السنة، إضافة للمساحة الشاسعة وقلة السكان والموقع القريب من الأسواق الأوروبية.
ولاحظ أن هناك إقبالا كبيرا من الشركات العالمية على دراسة الاستثمار في هذا المجال في موريتانيا، فحتى الآن تم توقيع مذكرات واتفاقيات لتطوير أكثر من 80 غيغاوات من الطاقة المتجددة لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، وهناك دراسات جارية لمعرفة إمكانية خلق صناعات الصلب الأخضر.
استثمارات متصاعدة
وأكد المستشار ولد لحبيب -في تصريح خاص للجزيرة نت- أن حجم الاستثمارات في الهيدروجين الموريتاني كبير جدا، ولكن الأرقام في هذه المرحلة الأولية من المشاريع التي ستنفذ على مراحل ما زالت متغيرة وغير دقيقة.
وأضاف أنه تم حتى الآن توقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات مع شركات عالمية لتطوير مشاريع هيدروجينية،3 منها في مرحلة دراسات الجدوى هي:
مشروع "أمان" لإنتاج 30 غيغاوات، في أفق 2030 تطوره شركة "سي دبليو بي" (CWP)، ويتطلب استثمار 40 مليار دولار.
مشروع "نور" لإنتاج 10 غيغاوات، وتطوره شركتا شاريوت البريطانية وتوتال الفرنسية.
مشروع "أرن" لإنتاج 10 غيغاوات.
أما مشروع "بي بي" (BP) الذي يهدف إلى طاقة إنتاجية تبلغ 30 غيغاوات، فما زال في مرحلة الدراسات الأولية وقياسات الطاقة، حسب المستشار.
ومؤخرا، وقّعت موريتانيا أيضا اتفاقا مع تحالف شركات يضم "إنفنتي" المصرية و"مصدر" الإماراتية و"كونجونكتا" الألمانية لإنتاج الهيدروجين الأخضر بقيمة 34 مليار دولار.
وعن مدى تأثير هذه المشاريع على الاقتصاد الموريتاني، أوضح المستشار ولد لحبيب للجزيرة نت أن الدراسات الأولية تشير إلى تأثيرات هامة في جميع المجالات، منها تخفيض تكلفة الكهرباء وتهيئة الظروف للتصنيع، وخاصة الصلب الأخضر، وتوفير المياه بكميات كبيرة في المناطق الشمالية من البلاد وخلق فرص كبيرة للتشغيل، ولكنه يضيف أن الأمر يتطلب تهيئة الظروف وتطوير البنية التحتية وتحسين التكوين الفني.
تحديات
وتواجه موريتانيا -التي تطمح إلى أن تحقق نفاذا شاملا للكهرباء بحلول عام 2030- جملة من التحديات، من بينها -وفقا لولد لحبيب- ضعف في البنية التحتية اللازمة لمواكبة هذا النوع من المشاريع وارتفاع التكاليف الرأسمالية في مشروعات الإنتاج، وندرة الكوادر البشرية المتسلحة بالخبرة اللازمة، وهي تحديات عامة تعاني منها الدول المنتجة والشركات، لأن القطاع ما زال ناشئا ويتسم بضبابية في ما يتعلق بتوفر الأسواق الملائمة والأسعار، وهي مرحلة طبيعية مرت بها عدة قطاعات، ولذلك تعمل موريتانيا مع الدول والشركات والمنظمات لتذليل هذه الصعوبات وتسريع وتطوير التقنيات المطلوبة.
وكان وزير الطاقة الموريتاني عبد السلام ولد محمد صالح صرح -في خطابه الافتتاحي للمؤتمر- بأن تحويل هذه الإمكانات التي تمتلكها موريتانيا إلى واقع تنموي، يتطلب تعبئة موارد مالية كبيرة ورفع كفاءة التكنولوجيا وخلق سوق للتبادل يمكن أن تشكل قاعدة صلبة لضمان تمويل المشاريع.
كما يتطلب توفير بنية تحتية مناسبة ووضع إطار قانوني وتنظيمي ومؤسسي يضمن للقطاع الخاص وللاستثمار الخارجي أن يلعب دورا أساسيا في إنتاج وتحويل وتصدير الهيدروجين الأخضر ومشتقاته.
وتابع الوزير قائلا إن جذب الاستثمار الخارجي من أجل تمويل هذه المشاريع يشكل التحدي الرئيسي أمام الدول النامية، إذ يلاحظ أن غالبية المشاريع التي وصلت إلى القرار النهائي للاستثمار موجودة في الدول الصناعية رغم أن الإمكانات ومصادر الطاقة توجد أكثر في البلدان النامية.
وشدد الوزير على أن موريتانيا وضعت رؤية طموحة في مجال الطاقة تهدف إلى ضمان تموقعها مستقبلا كقطب إقليمي مندمج لإنتاج الطاقات المتكاملة، مثل الغاز والطاقات المتجددة، وكذلك المعادن المحولة وإنتاج الصلب الأخضر والمعادن المنخفضة الكربون وتصديرها للأسواق الدولية.
وأضاف أن حكومته أطلقت عديدا من الأنشطة والدراسات لتطوير وتثمين واستغلال الإمكانات الوطنية من الطاقات المتجددة، ووضعت خريطة طريق لتطوير الهيدروجين وسجله العقاري وإعداد قوانين تؤطر هذا القطاع.
المصدر : الجزيرة