بسم الله الرحمن الرحيم
التقرير الختامي لأعمال المنتديات العامة حول العدالة
صاحب المعالي الوزير الأول؛
صاحب المعالي وزير العدل؛
اصحاب المعالي الوزراء؛
السيد رئيس المحكمة العليا؛
السيد المدعي العام لدى المحكمة العليا؛
أصحاب السعادة السفراء ؛
السادة القضاة؛
المشاركون الأعزاء؛
أيها الحفل الكريم..
ها نحن بحمد الله نضع عصا الترحال بعد طول النُّجْعَة لتستقر بنا الحالُ في خُلاصات النهايات على إجابة نموذجية للتساؤل الذي ارتسم في البدايات.. حول أي عدالة نريد؟.
تلك النهايات التي رُسِمت لها مقدماتٌ صحيحةٌ بدءًا من البيان الذي تقدم به معالي وزير العدل د.محمد محمود ولد الشيخ عبد الله ولد بيَّه خلال اجتماع مجلس الوزراء في دورته المنعقدة بتاريخ 05 اكتوبر 2022 . مبينا فيه أنه أصبح من اللازم وضعُ عدالتنا على محكِّ النقاش لمعرفة مدى استجابة وصلاحية نظامنا القضائي الحالي للتحولات الكبيرة التي شهدتها البلاد، وإلى أي حد تمكنه مسايرة التطورات الهائلة، متعددة الأوجه والاتجاهات التي يشهدها العالم اليوم، وصولا للإجابة عن السؤال الملحٍّ: أيِّ عدالة نريد؟
ولهذا الغرض، اقترح البيان تنظيم منتديات عامة حول العدالة، تنظم تحت الرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، تهدف للخروج بنتائجَ تُقلع بالقطاع ليساير التحولاتِ الكبيرة التي تشهدها بلادنا ، تجسيدا للرؤية الواردة في بيان السياسة العامة للحكومة الهادفة لتنفيذ برنامج فخامة رئيس الجمهورية [تعهداتي].
ومنذ هذه اللحظة المُؤْذنة انطلق العملُ الحثيثُ على مستوى وزارة العدل لتحقيق هذه الرغبة التي تبيَّن فيما بعد أنها رغبةُ مجتمعيةُ ومطلبُ نخبوي طال انتظاره.
ولأن الاجابة على هذا التساؤل وبلوغَ تلك الطموحات تتطلب تفكيرا تشاركيا وعملا جماعيا يشترك فيه الجميع و تتلاقحُ فيه القرائح وتتلاحم فيه التجارب وتتزاحم العقول ليخرج الصواب ، تقررت تسمية لجنة توجيهية تتكون من كفاءات عالية راكمتْ خبرتها خلال المسار الوظيفي و العلمي لتكون مرجعا في المجال العدلي.
وبعد السَّبْر العميق لهذه الشخصيات اختيرت كوكبة تضم ستة 16 عشرة موجِّهًا من وزراء العدل السابقين و المدعين العامين و رؤساء المحكمة العليا و الاساتذة الجامعيين و رواد الهيئات النقابية و المهنية للقضاة و المحامين وكتاب الضبط و الخبراء القضائيين؛ لتكون في قُمرة قيادة هذه المنتديات موجهة لمساراتها المتعددة تحت رئاسة معالي وزير العدل.
و تم إسنادها بالمشورة العلمية و الفنية من خلال اختيار الاستشاريين الكبيرين الاستاذ محمد محمود ولد محمد صالح و الاستاذ لو كورمو عبدول اللذين شكلا مستودع الافكار ، ومصنع الرؤى العلمية التي جُمعت خلال مسارات هذه المنتديات لتكون القطع الاساسية التي تُصاغ منها مضامينُ الوثيقةِ الاصلاحية.
تلك المساراتُ التي أشرفتْ على تنظيمها وتسييرها لجنةُ فنية من عشرة (10) فنيين من وزارة العدل مهمتها الاساسية وضعُ الانشطة في شكل مصفوفة فنية واضحة و تنفيذُها بشكل دقيق وفق أجندة زمنية تحت اشراف مباشر من السيد الامين العام لوزارة العدل، ورقابة دورية من اللجنة التوجيهية، و بتواصل دائم مع الاستشاريَيْن.
لقد باشرت هذه اللجنة تنفيذ بنود المصفوفة الإجرائية المصادق عليها بمرحلة تمهيدية شملت:
أولا: تحديدَ الفئات المستهدفة بالمشاركة في هذه المنديات العامة.. وفي هذا الاطار تم تحديد تسعٍ وخمسين (59) جهة مستهدفة تشمل: الوزاراتِ ذات الصلة و اللجان الوطنية المتخصصة ، و هيئات المجتمع المدني، و الاحزاب السياسية، و النقابات العمالية، و مهنيي العدل، و السلطات الامنية، و البرلمان، و الهيئات الدستورية، و شركاء موريتانيا في التنمية، و الصحافة و الإعلام و الفاعلين الاقتصاديين، والروابط المهنية للقضاة و كتاب الضبط و المحامين والموثقين و العدول و الخبراء القضائيين.
ثانيا: استنطاقَ جميع الفاعلين في المجال العدلي و دعوتهم لتقديم ملاحظاتهم ومقترحاتهم وتصوراتهم الكتابية حول إصلاح العدالة؛ و هو الاستنطاق الذي تم من خلاله التوصل بست و أربعين (46) رؤية علمية خاصة لإصلاح وتطوير العدالة تم جمعها في تقرير تلخيصي مترجم لترفع الى المنتديات العامة؛
ثالثا: الاستكتاب الداخلي لاستكشاف مكامن الخلل التي يراها الفنيون المسئولون عن المؤسسات العمومية و الادارات المركزية بوزارة العدل، و القائمون على النيابة العامة و المحكمة العليا، و المفتشية العامة للإدارة القضائية و السجون ..) بهدف وضع تصور داخلي للحلول المقترحة و تحديد معوقات و الاصلاح.
رابعا: الاستعانة بالخبرة الأجنبية : بهدف الاطلاع على التجارب الدولية في بعض الجوانب المتصلة بالمحاور المقترحة من خلال دعوة وزارات العدل في كل من ( المملكة المغربية ، فرنسا ، الامارات العربية المتحدة، الأردن، السنغال، الجزائر )، لتقديم تجربتها في مجال الاصلاح و التطوير العدلي. وفي هذا السياق شاركت هذه الدول بخبراءَ قدموا تجاربَ دولهم في مجالات مهمة تتعلق بالرقمنة و الولوج الى العدالة و الاصلاح السجني و مهنيي العدل ، مشاركين في جميع الورشات بفعالية انطلاقا من خلاصات تجربتهم في هذا المجال فلهم جزيلُ الشكر و العرفان .
ولتمكين المواطنين المهتمين بالشأن العدلي من ابداء ملاحظاتهم واقتراحاتهم تم فتح منصة رقمية خاصة بالمنتديات العامة، تحت عنوان "أيِّ عدالةٍ تريد؟". مكنت هذه المنصة من الوقوف على أكثر من (50) مساهمة، وتقييد مئات الانطباعات عن العدالة من خلال أكثر من 38765 زيارة لموقع هذه المنصة الرقمية [عدالتنا] التي شكلت الذراع الاعلامي للمنتديات.
ومن أجل استكمال هذه المرحلة التمهيدية كان لا بدَّ من تعميق التشاور وتوسيع نهج النقاش ليشمل كافة الفاعلين على عموم التراب الوطني من خلال تنظيم جلسات للتشاور الجهوي الموسع شمل دوائر الاستئناف الأربع و المحكمة العليا و بالتزامن خلال يومي 19-20 نوفمبر 2022 في الدوائر الاستئنافية بكيفة و آلاك و انواذيبو و لاحقا بنواكشوط يومي: 3-4 دجمبر 2022 و هي اللقاءات التي شارك فيها جميعُ الفاعلين القضائيين وممثلو القطاعات الحكومية و الامنية و المجتمع المدني و الفاعلون الاقتصاديون حيث شارك فيها 482 على مستوى الدوائر الاستئنافية الاربع و المحكمة العليا.
لقد كانت هذه اللقاءات التي اشرف عليها اعضاء اللجنة الفنية و ترأس جلساتِها رؤساءُ الاستئناف و المدعون العامون بهذه الدوائر الاستئنافية فرصة سانحة مكنت مختلف الفاعلين من تقديم مساهماتهم واقتراحاتهم حول إصلاح العدالة؛
تلك الاقتراحات التي انصبت على المحاور الستة المدرجة على النقاش:
I. تشخيص واقع العدالة؛
II. جودة العدالة وحماية حقوق المتقاضين؛
III. نظام السجون والإصلاح الجنائي؛
IV. الولوج للعدالة؛
V. رقمنة العدالة؛
VI. مهنيي العدل.
لتكون مخرجاتُ هذه اللقاءات الجهوية الموسعة موضوع فحص و تدقيق و تلخيص من قبل فريق عمل متخصص من ستة خبراء تم اختيارهم لصياغة الافكار و التوصيات الواردة في تقارير هذه اللقاءات و المشاركات و الرؤى المقدمة للمنتديات العامة ..
لقد سطر هذا الفريق المتكامل زبدةَ اللقاءات الجهوية و المشاركات والمساهمات بشكل دقيق في تقرير مترجم كان احدى الاوراق العلمية الصلبة التي عُرضت على المشاركين في المنتديات العامة حول العدالة.
صاحب المعالي الوزير الاول
اصحاب المعالي و السعادة
ايها المشاركون ..
لقد شكل الخامس (5) من يناير الجاري لحظة تاريخية فارقة طال انتظارها بانطلاق المنتديات العامة حول العدالة تحت اشراف مباشر من صاحب الفخامة رئيس الجمهورية رئيس المجلس الاعلى للقضاء، وبحضور أكثر من مئتي (200) مشارك تغطي اكثر َ من تسع وخمسين 59 جهة تمت دعوتها للمشاركة في هذه المنتديات بالإضافة الى ضيوف الشرف من المملكة المغربية و الإمارات العربية المتحدة و السينغال و فرنسا.
وفي حفل بهيج أعطى فخامةُ الرئيس اشارةَ الانطلاق لهذه المنتديات مؤكدا عزمه على تنفيذ ما تتوصل اليه من نتائج ومخرجات، على المشاركين وضعُها في آلية عملية وزمنية واضحة سهلةُ التنفيذ ومحددةُ الأهداف.
وخلال سبعة أيام متوالية وبشكل متزامن طرحت على بساط نقاش هذه الورشات المحاورُ الستةُ الآنفة.
حيث اشرف على رئاسة هذه الورشات السادة الوزراء: الاستاذ محفوظ ولد بتاح و الأستاذ حمدي و المحجوب و القاضي الامام وتكدي و الدكتور عابيدن ولد الخير و الاستاذ جابيرا معروفا و الأستاذ عزيز ولد الداهي وبمساعدة فريق متخصص من المقررين يضم خمسة و عشرين (25) مقررا تم اختيارهم بعناية لمباشرة التقرير في هذه الورشات التي تضم كلٌ منها خمسةً وثلاثين 35 مشاركا خبيرا أي ما مجموعه: 210 مشاركا، اتخذ معيار التخصص و الاولوية و الاهتمام في تصنيفها وتوزيعها على هذه الورشات.
وعلى مدى ثلاث ايام تم تقديم عشرين (20) عرضا علميا تأطيريا تتعلق بالمواضيع التي يمكن اثارتها من قبل 20 متدخلا من بين الاساتذة الجامعيين و القضاة و المحامين و المهندسين و العلماء و الخبراء القضائيين. ومن خلال هذه المداخلات التأطيرية تم نقاش المواضيع التفصيلية لهذه المحاور الستة و تقديم مئات الحلول و المقترحات.
لقد شكلت كل هذه المداخلات إثراءً غير مسبوق للمواضيع ذات البعد الاشكالي سهل على المشاركين ايجاد الحلول الضرورية لمستعصيات القضايا و مُرْبكات الاشكالات الفنية و العملية التي اعترضتهم.
تلك الحلول التي نطقت بها تقارير ُ الورشات التي تُليت في جلسة علنية عامة على مسامع المشاركين وتمت اجازتها من طرفهم لتكون بنك حلول طفحت به هذه المخرجات التي تم اعدادها بعناية فائقة تمت صياغتها في تقرير موحد مكلل لأعمال هذه الورشات ليكون مرجعا اساسيا تصاغ منه الوثيقة الوطنية لإصلاح و تطوير العدالة مُجْمِلة ما تم بسطُه تفصيلا في هذا التقرير حول:
• تعزيز استقلالية القضاء وبعث الثقة في منظومتنا القضائية؛
• ترقية المصادر البشرية للقطاع وضبط مساراتها وتقوية قدراتها المهنية المتعلقة بـ: التكوين و التخصص، والفاعلية؛
• اعاد ترتيب الخارطة القضائية وتوزيع المحاكم؛
• وضع منظومة صارمة للاصلاح السجني وإعادة التأهيل ؛
• ترقية المهن القضائية وتنظيمها؛
• و مأسسة السلطة القضائية؛ وتحديد الاطار المؤسسي للتكوين؛
• رقمنة العدالة؛ لتساير التحولات الجديدة، وتواكب التحسينات الضرورية لمناخ الاستثمار.
كل هذه الاهداف المجملة التي تضمنتها 360 توصية و مقترحا سيتم بسطها في الوثيقة الوطنية لإصلاح وتطوير العدالة التي ستكون بحول الله منطلقا لكافة السياسات الحكومية في مجال العدل وستضع خارطة زمنية واضحة لتنفيذ بنود الإصلاح وتسلم لفخامة رئيس الجمهورية.
ايها الحفل الكريم..
إن هذه اللحظة التاريخية الفارقة تملي علينا استشعارً ا للواجب و ما يمليه الضمير اسداءَ جزيل الشكر و العرفان لفخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، و من خلاله الى حكومة معالي الوزير الاول محمد بلال مسعود و الى المقامات العلية للمشاركين الذين أتيحت لهم فرصةُ ترك بصماتهم على هذا الجهد الوطني غير المسبوق ..من خلال افكارهم التي ستكون عامل اقلاع بقطاع هو صمام الامان لهذه الدولة و المحرك الاساسي لكل نماء،
ولعمري إنها فرصة كبيرة سيخلدها التاريخ لمفرزة التحضير و الإشراف و التأطير والتنظيم والتنفيذ لهذه المنتديات العامة تحت قيادة صاحب المعالي وزير العدل د.محمد محمود الشيخ عبد الله ولد بيه، ستُنسي كل نَصَبٍ و لُغوب؛ لما حققوه من قصَب سبقٍ، سيبقى التاريخ ناطقا به، كما سيظل السابقون اليه لهم الأجر الأعظم الخالد..
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
• القاضي هارون ولد إديقبي